بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
لنصر من منظور المقاومة، في الحروب غير المتناظرة، يتخلص في منع العدو من تحقيق أهدافه، والمقاومة فعلت أكثر من ذلك، إذ أظهرت هشاشة هذا العدو، ودكت جدران الردع الذي أحاط نفسه بها.
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على غزة من دخول شهرها الثامن، يبدو سؤال “من يحاصر من؟ أكثر جديةً من أي وقت مضى. وعلى هامشه، ومن تنويعاته، اشتقَّ الصديق نبيل عمرو عنواناً لمقالة له عن “النصرين الممنوعين” في غزة، نصر “إسرائيل” ونصر حماس، أقله وفق التعريفات الابتدائية للنصر والهزيمة، كما وردت في خطابي الفريقين في بداية الحرب.
وفي تفصيل ما أوجزناه نقول، بلغة واقعية، ولا أقول محايدة، فلا حياد حين يتصل الأمر بعدو محرمٍ، يكاد يُجمع العالم وقضاؤه الدولي على أنه كذلك، وهو يتحضر للحصول على وثائق رسمية، تثبت تموضعه في هذه الخانة الرديئة، إلى جانب أقرانه من القتلة ومجرمي التطهير العرقي والإبادة الجماعية… نقول، بكثير من الواقعية، إن الوقت لا يمر لمصلحة “إسرائيل” ومستويَيها السياسي والعسكري، وإن محنة نتنياهو وفريقه أشد قسوة عليه مما يكابده قادة الكتائب والسرايا، الذين يخوضون قتالاً غير متلائم، تحت أقسى الظروف وأصعبها.
الشعب الفلسطيني (ومقاومته) قدم فاتورة الدم الباهظة، صامداً صابراً محتسباً، ولم يعد الابتزاز عبر فرض مزيد من الأثمان مجدياً. لا “معركة رفح” ولا أي معركة غيرها باتتا سبباً كافياً في دفع المقاومة إلى تقديم التنازلات، أو إلى النزول عن قمة الشجرة، كما يدعوها إلى فعل ذلك بعض “الإخوة الأعداء”.
اليوم، يتعين على “إسرائيل” أن تدفع الفاتورة الباهظة، من صورتها ومكانتها في الساحتين الإقليمية والدولية. اليوم، يتعين على قادتها إمضاء لياليهم بلا نوم، تحسباً لمذكرات التوقيف التي ستصدر عن القضاء الدولي وأجهزة القضاء المحلية في عدة دول. عليهم أن يتحسسوا مواطئ أقدامهم، بعد أن صاروا كالمصاب بالجرب أو الجذام، وعليهم أن يأخذوا بنصيحة وزير خارجيتهم إسرائيل كاتس بشأن التزام منازلهم وتفادي المجازفة في السفر إلى الخارج.
لسببين أو ثلاثة أسباب، فقدَ التلويح بـ”معركة رفح” وظيفته الردعية، ولم تعد هذه الورقة طلقة أخيرة، لا في جعبة نتنياهو ولا في جعب غيره من الإسرائيليين وشركائهم في سفك الدم الفلسطيني. أولها، أن هذه “الطلقة الأخيرة” قد تصبح “المسمار الأخير” في نعش نتنياهو وحكومته وكيانه، فالمقاومة جاهزة لكل السيناريوهات وقيادة الداخل طمأنت قيادة الخارج إلى سلامة وضع المقاومة. ورفح، في كل المقاييس، لن تكون أقل من شقيقاتها في غزة وخان يونس، إن لم تكن أصعب منهما مراساً.
وثانيها، أن المعركة في رفح محمّلة بالتداعيات الإنسانية والجيوسياسية، والتي ما إن تبدأ المعركة حتى تبدأ مفاعليها تنعكس عبر أشد العواقب على “إسرائيل”، حتى لدى من تبقى لها من حلفاء مخلصين. وليس ثمة في الأفق المنظور، على الأقل، ما يشي بأن “إسرائيل” تستطيع أن تتخطى هذه التداعيات، أو أنها أعدت العدة الكافية لتخطيها.
وثالثها، أن العالم ينقلب على “إسرائيل”، وانتفاضة الجامعات الأميركية، الممتدة بفعل “الدومينو” إلى شقيقاتها من الجامعات العالمية، ليست سوى رأس جبل الجليد الظاهر. أما الجزء الغاطس منه، فيتفاعل بقوة تحت سطح المجتمعات التي نفضت عن نفسها غبار الدعاية الزائفة عن “واحة الديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط القاحلة”. و”إسرائيل” لم تكن يوماً عرضة لمواجهة ما عدّه معهد دراسات أمنها القومي، قبل السابع من أكتوبر، “خطر نزع الشرعية”، كما هي عليه اليوم.
نمضي أبعد من ذلك لنقول: إنه في الوقت الذي يفرد بعض “الشاشات الناطقة بالعربية والموجهة بالعقل العبري”، ساعات متواصلة لترويج فرضية انقسام حماس بين داخل وخارج، قيادة سياسية وذراع عسكرية، فإن العالم يشهد، عبر كل الشاشات، وبكل اللغات، الحالة المركّبة التي تعيشها “إسرائيل” من الانقسام والصراع الداخليين، داخل المستوى السياسي الحاكم، وبين السلطة والمعارضة، وبين كل هؤلاء والمستوى العسكري، بينما حبل الاستقالات يمتد ومرشح للتطاول، قبل صدور مذكرات التوقيف الجنائية الدولية، والأرجح بعدها.
والحقيقة أن “إسرائيل” ليست وحدها المحشورة في أضيق زواياها، فحلفاؤها أيضاً يعانون ما تعاني، بعد أن تظهّر لهم أن هذا الكيان يتحول من ذخرٍ لهم إلى عبءٍ عليهم. وفي ظني أن “المستوى الفكري” في الولايات المتحدة والغرب بدأ يستشرف هذه الحقيقة، مستبقاً “المستوى السياسي” فيهما. وأحسب أن انتفاضة الطلاب في خيرة الجامعات الأميركية والعالمية، ومعهم رهط من أساتذتهم، ما هي إلا بداية لتحولات تاريخية أعمق وأوسع. أحسب أن هذا الجيل، الذي يتعرض للملاحقة والمطاردة والابتزاز والاعتقال، ويجبَر على ارتداء الأقنعة لحجب هويته، في بلد لطالما فاخر بأنه يقف على رأس زعامة “العالم الحر والمتحضر”، هو إيذان بقرب انقلاب المشهد، وخصوصاً حين يخرج من بين هؤلاء الطلبة من سيشكل النخب الحاكمة والمقرِّرة في الولايات المتحدة وغيرها.
الحرب في نهاية شهرها السابع تفقد طابعها القتالي، فلا عمليات تكتيكية ولا تحولات استراتيجية يشي بها الميدان، والمقاومة – كما تقول واشنطن – ما زالت تستنزف الاحتلال في شمالي القطاع ووسطه، وليس ثمة ضمانة بأن ما تبحث عنه “إسرائيل” ستجده في رفح، بعد أن أخفقت في إيجاده في غزة وشماليها وخان يونس وجوارها.
الحرب مستمرة بقوة الدفع والمكابرة، وظيفتها القتل لا القتال، والمقاومة ما زالت قادرة على إطلاق الصواريخ من تحت أقدام الإسرائيليين في بيت لاهيا وبيت حانون، كما يقول الأميركيون لنظرائهم الإسرائيليين. فما الذي تجنيه “تل أبيب” من الاستمرار في حربها، وما الذي يمكن أن تتحصل عليه في رفح، ولم تحصل عليه في شقيقاتها وسط القطاع وشماليه؟
نتنياهو في أسوأ لحظات حياته، يتحول من “مستر أمن” و”ملك إسرائيل” إلى مجرد “مجرم حرب” ينتظر مذكرة الجلب والاعتقال. شارعه ينقلب عليه، وجيشه وجنرالاته لا يثقون بقيادته، والسياسيون ينفضون من حوله، وحكومته تحولت إلى “سيرك” للمهرجين، والرأي العام العالمي لا يكن له سوى مشاعر الاحتقار، وحلفاؤه، ينتظرون لحظة هبوطه عن السلم، ومغادرته المسرح نهائياً، بل يستعجلون لحظة رحيله أو ترحيله.
الرجل، الذي أرسل جيشه، وقامر بحيوات محتجزيه وأسراه، من أجل ضمان بقائه في السلطة، يكتشف، بعد مرور الوقت الثمين، أن القطار فاته، وأنه كان يطارد خيط دخان.
في المقلب الآخر، تبدو الصورة مغايرة في الضفة الأخرى من هذا الصراع. صحيح أن الفاتورة الإنسانية باهظة التكلفة على الفلسطينيين، ولا أحد عليه أن يتنكر لهذه الحقيقة، وأي تحليل ناقص إن تجاوزها… لكن غزة تتحول إلى “أيقونة” عالمية لكل مناضلي العالم ضد العنصرية والتطرف اليميني الديني والتطرف القومي والشعوبيات المعادية للآخر. غزة تتحول إلى أيقونة لموجة النضال العالمي الجديد، ضد الاستعلاء وتفوق الرجل الأبيض والاستعمار والصهيونية بصفتها الطبعة الأكثر رداءة وقبحاً للعنصرية والتمييز العنصري.
وقادتها في خنادق المقاومة وأنفاقها يتحولون، بدورهم، إلى “رموز” وأيقونات، تتلقف تصريحاتهم وأخبارهم الملايين التواقة في عالمينا العربي والإسلامي، بصفتهم مقاتلي حرية وتحرير. وكلما ضاقت عليهم الرقعة في غزة المحاصرة والمدمرة، اتسعت لهم الساحات والميادين في كل أرجاء الأرض، بينما قضيتهم، الأعدل والأنبل، ترتقي اليوم لتحتل مكانتها في قلب أولويات السياسة الداخلية في عشرات الدول، بما فيها الكبرى، بعد أن كانت في ذيل اهتمامات السياستين العربية والدولية.
من يحاصر من؟
سؤال يستمدَ راهنيته، ونحن في ذروة المفاوضات بشأن ما يسمى مشروع “الفرصة الأخيرة” لاستعادة الهدوء ووقف الحرب، ونحن نقترب إلى المفترق الأخير في سباق الحرب والدبلوماسية. فلا يظننّ أحدٌ أن المقاومة تذهب إلى القاهرة من موقع “المزنوق”، المحاصَر، والمجرد من أوراقه وخياراته.
ولا يظننّ أحدٌ أن نتنياهو يبعث رُسله من موقع القوة والخيارات المفتوحة. ولو كان نتنياهو في مثل هذا الموقع، لما ذهب إلى القاهرة أصلاً. ولو كانت المقاومة مجردة من الأوراق والخيارات لاختارت الشق الثاني من “خاتمة أبي عبيدة”: نصراً أو استشهاداً. “إسرائيل” والمقاومة في قلب معركة “عض الأصابع”، وربما في ربع الساعة الأخير، والشجاعة (والنصر) صبر ساعة.
ونعود إلى فرضية “النصرين الممنوعين”، نصر نتنياهو المطلق، الذي بات بضاعة كاسدة لم يعد يشتريها أحد، ونصر حماس المطلق، الذي أعطاه بعض أصدقاء المقاومة وخصومها، على تباين نياتهم وأهدافهم، معاني وتفسيرات، تخطت نظرية “الفوز بالنقاط” على العدو لا بالضربة القاضية.
حماس أرادت، عبر الطوفان الذي أطلقته في السابع من أكتوبر، إلقاء حجر ضخم في المستنقع الآسن الذي انزلقت إليه القضية الفلسطينية تحت قيادة فريق أوسلو وترويكا الحكم في رام الله، وكان لها ما أرادت.
وحماس أعادت وضع فلسطين في مقدمة السياسات الداخلية والخارجية للقاصي والداني، وكان لها ما أرادت. والنصر من منظور المقاومة، في الحروب غير المتناظرة، يتخلص في منع العدو من تحقيق أهدافه، والمقاومة فعلت أكثر من ذلك، إذ أظهرت هشاشة هذا العدو، ودكت جدران الردع الذي أحاط نفسه بها، وأسقطت الأساطير المؤسِّسة لهذا الكيان، ونزعت عنه “لبوس الشرعية الزائف”، وتركته عارياً بلا ورقة توت، والمقاومة أفقدت “إسرائيل” الدور المرسوم لها، كقائدة لحلف إقليمي يحمي العرب مما يسمى “التهديد الإيراني”، فإذا بها عاجزة عن حماية نفسها.
قادة “إسرائيل” وبعض الغرب، وبعض العرب، لم يدّخروا جهداً لمنع المقاومة من الوصول إلى غايتها ومراميها، لكن “الله متمم نوره ولو كره الكافرون”.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
قرابة شهرين يفصلان الأردنيين عن الانتخابات النيابية المفترض أن تكون مختلفة عمّا سبقها كلّه، نظراً إلى وجود القوائم الوطنية الحزبية، ولأنّها تأتي بعد قوانين الأحزاب والانتخاب، ولجنة تحديث المنظومة السياسية التي تبنّت إدماج الشباب وتعزيز المشاركة السياسية وتقوية دور الأحزاب. ومن المفترض، وفقاً لقانون الانتخاب، أن تزداد بصورة مُطَّردة مقاعد القائمة الوطنية الحزبية، حتّى تتجاوز نصف عدد أعضاء مجلس النواب بعد دورتَين انتخابيّتَين، وهو المشروع الذي يُعوَّل عليه في نقل الحياة السياسية نقلة نوعية، والانتقال بالدولة في المئوية الجديدة نحو منهج مختلف في الإدارة السياسية.
بعد عامَين على تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية، وعام على تصويب الأحزاب السياسية أوضاعها، هنالك نقاش وجدل دائم ومُستمرّ في الأردن، عن مدى قدرة الأحزاب خلال هذا الوقت القصير على تحقيق المطلوب من مُهمّات، وتقديم أداء يجعل من الانتخابات المقبلة معبراً إيجابياً ومُشجّعاً على استكمال طريق التحوّل، وهي آمال تُقابلها مخاوف شديدة لدى قيادات وأوساط سياسية من أن تكون التجربة الانتخابية بمثابة نكسة للعملية الحزبية، والتحديث السياسي، مع الشعور بأنّ هنالك معاناةً لدى الأحزاب في التعامل مع عامل الوقت القصير، وما هو مطلوب منها من مهمّات كبيرة من دون توفّر الشروط والروافع لتحقيق ذلك.
ما تزال تحدّيات عديدة تواجه العمل الحزبي في الأردن، بخاصّة الأحزاب البرامجية الجديدة، إذا تجاوزنا، بطبيعة الحال، الأحزاب الأيديولوجية المعروفة، بخاصّة جبهة العمل الإسلامي (تمتلك قاعدة اجتماعية عريضة، وتستثمر في العاملَين الديني والسياسي، بخاصّة بعد عملية 7 أكتوبر، وشعبية “حماس” الجارفة لدى نسبة كبيرة من السكّان). ويُعتبَر العامل المالي أحد أكبر التحدّيات، فمن دون قدرات مالية، وتوفير احتياجات بناء العمل المؤسّسي، والحملات الإعلامية، وبناء الكوادر، وفتح مقارّ وتعيين مُوظّفين، ستكون غالبية الأحزاب غير قادرة على تأمين الحدود الدنيا المطلوبة. ومن التحدّيات غياب الثقافة الحزبية في المجتمع فترة طويلة، وصعود الهُويّات الجهوية والجغرافية في الانتخابات، وهو ما ظهر بوضوح في انتخابات الجامعات الأردنية، ما يجعل قدرة الأحزاب على بناء صيغةٍ مقبولةٍ مع العامل الاجتماعي والجغرافي مسألةً ليست بالسهلة، وتتطلّب وقتاً ومهارة.
وممّا يُعزّز حجم الصعوبات التي تواجه الأحزاب أنّ غالبية المُنضوين في الأحزاب الجديدة (محدثو الأحزاب) تعوزهم الخبرة في العمل التنظيمي والجماهيري والحزبي، وليست لديهم خلفية في هذا المجال، ما يُعقّد قدرة الأحزاب على البناء المؤسّسي والتنظيمي وتطوير القدرات الاتّصالية والرمزية والتنظيمية. ولعلّ المتابع للنشاط الحزبي في الأردن يلاحظ الصعوبات الشديدة والحسابات المُعقّدة في اختيار القوائم وتأخّر الأحزاب في إعلان قوائمها في مستوى الوطن، ووصول الأحزاب الصغيرة إلى تحالفات تُسعِفها في زيادة حظوظها، ويعود ذلك إلى حداثة عهد الأحزاب السياسية الأردنية بطريقة تشكيل القوائم الحزبية الوطنية، بهذا الحجم، إذ ما زالت جميع الأحزاب تراعي القواعد الاجتماعية الجغرافية والعشائرية في اختيار المُرشّحين وترتيب القائمة، بما يحمله ذلك من خطورة تفكّك الأحزاب والانشقاقات الداخلية.
على كلّ حال، هي صعوبات مُتوقّعة وطبيعية مع تجربة حزبية جديدة، ولا تحظى بما هو كافٍ من الموارد المالية والتنظيمية، ولا حتّى عامل الوقت، لتكون قادرةً على الدخول في منافسةٍ، ليس حزبية فقط، بل بحسابات اجتماعية وجغرافية مُعقّدة، وهو ما قد يُعطي قوّةً وزخماً لمعسكر المُشكِّكين والمُتخوِّفين من انعكاساتٍ سلبيةٍ كبيرة في العملية الحزبية بعد الانتخابات. إحدى أكثر الخسائر الفادحة أهمّية، حتّى اللحظة، القوائم الحزبية التي أعادت النُخَب السياسية نفسها، ما دفع رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية نفسه إلى التحذير من ردّات الفعل لدى الشارع والشباب على تغييب وجوه جديدة.
رغم كلّ تلك التحدّيات والصعوبات، هنالك إمكانية لإنقاذ التجربة الحزبية؛ ومن ضمن ذلك التصميم على انتخابات حرّة ونزيهة بالكلّية، ما يتيح للمعارضة المشاركة بفعّاليةٍ، بما ينعكس في مصداقية التغيير السياسي، وكذلك، هنالك الحملات الانتخابية، ومدى القدرة على اجتراح لغةٍ ورسائلَ سياسيةٍ تقترب من هموم الشارع وقضاياه ومشكلاته، وتحفيز الإعلام على المشاركة في تسخين المعركة الانتخابية.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
كيف يتعامل الأردن مع ملف «الضفة الغربية»؟ استدعاء هذا السؤال مهم لأكثر من سبب، الأول: الضفة الغربية تشكل مجالا حيويا واستراتيجيا لبلدنا، كما أنها ترتبط معه بعلاقة تاريخية معقدة و مزدحمة بالتفاصيل، ويقيم هناك الآلاف ممن يحملون الجنسية الأردنية، الثاني : ارتكز التصعيد السياسي الأردني منذ 7 أكتوبر على قاعدة رفض التهجير القسري للفلسطينيين، واعتبر ذلك بمثابة إعلان حرب، وهذا مفهوم في إطار ادراك الأردن ورفضه لمخططات الاحتلال التي تستهدف تهويد فلسطين، الثالث : بروز تيار داخل الأردن وخارجه بدأ يرفع لافتة «انفجار الضفة الغربية « كفزاعات للتخويف، وربما الابتزاز، سواء لحسابات سياسية داخلية، او للدفع نحو انخراط الأردن بالحرب، او بأدوار أخرى، أو على الأقل الانحياز لفصيل فلسطيني محدد ضد السلطة الفلسطينية.
خلال الأشهر المنصرفة، تحركت الدولة الأردنية، بما لديها من طاقات وإمكانيات سياسية وإنسانية، لدعم صمود الأشقاء الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وبدأت سلسلة من اللقاءات والحوارات مع مختلف الاطياف داخل الضفة الغربية لاستكشاف الواقع هناك، ووضع ما يلزم من تصورات للتعامل معه، هذا الانفتاح الأردني على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بكافة اطيافهم، كان مفهوما ومطلوبا في سياق تأكيد موقف أردني عنيد وثابت وغير قابل للمساومة ضد التهجير بكافة أشكاله وأدواته، وهذا الموقف حمل رسالتين، الأولى لإسرائيل وحكومتها المتطرفة والدول الكبرى التي تدعمها، الثانية للفلسطينيين الذين يحتاجون إلى ظهير سياسي يدعم صمودهم، ويساعدهم على مواجهة محاولات الطرد والتهجير، وإجراءات هدم مقومات الحياة والعيش الإنساني التي يمارسها الاحتلال ضدهم.
إذا كان الموقف الأردن مما يجري في فلسطين واضحا كما كشفت عنه الأشهر الثمانية المنصرفة، بعيدا عن محاولات التشكيك التي يتعمد البعض توزيعها لاهداف معروفة، وإذا كانت المصالح العليا للدولة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية محددة سلفا، وعلى لسان الملك بثلاث لاءات: التوطين، الوطن البديل، والقدس ومقدسات، فإن رفع فزاعات التخويف من التهجير في وجه الأردن، في هذا التوقيت بالذات، مسألة تثير الريبة والشك ؛ أهل غزة ما زالوا صامدين على الرغم من حجم الكارثة والدمار، فكيف يمكن أن نتصور أن أهل الضفة الغربية سيخرجون أو يهاجرون منها مهما كانت الظروف ؟ الفلسطينيون في الداخل يدركون ذلك، ويتمسكون بأرضهم ووطنهم، بعكس بعض الذين يتحدثون باسمهم في الخارج، ممن يوظفون مأساة أهل فلسطين وفزعاتهم مع المقاومة لحساب مغانمهم ومصالحهم التي أصبحت مكشوفة.
بصراحة أكثر، ثمة من يريد من الأردن أن يذهب للضفة الغربية وفق ترتيبات وادوار جاهزة ومعروفة، جرى طرحها مرارا في الماضي، ليعيد التاريخ الذي تجاوزناه منذ اكثر من ثلاثة عقود ونصف، وثمة من يحاول أن يُصنّف المصالح العليا للدولة الأردنية على مقاسات تتناسب مع أجنداته وارتباطاته، ثم يدفع باتجاه تشكيل رأي عام لاختطاف تعاطف الأردنيين مع القضية الفلسطينية وتجييره لإحراج الدولة، أو إضعاف موقفها، تمهيدا لتمرير أي مخططات قادمة تصب في رصيد الكيان المحتل، وتتناقض، بالضرورة، مع المصالح الوطنية للأردنيين، والفلسطينيين أيضا.
لهؤلاء أقول: أمام الدولة الأردنية مهمة واحدة تعرفها وتتحرك نحوها بكل قوة وإرادة، وهي الحفاظ على أمننا الوطني ومصالحنا ومنعة بلدنا واستقراره ؛ بوصلتها محددة نحو التهديد الذي يواجهنا من جهة حدودنا الغربية أولا، ومن جهة حدودنا الشمالية والشرقية ثانيا، لن تسمح لأحد أن يتجاوز هذه الحدود تحت أي عنوان أو ذريعة، باسم التهجير أو التهريب أو غيرهما، وبوسع الذين ينفخون في هذا الملف أن يهدأوا قليلا، وأن يتركوا واجب النصيحة المغشوشة التي يقومون بها لغايات في نفس «يعقوب».. الأردنيون مع قيادتهم وجيشهم ومؤسساتهم يستطيعون أن يواجهوا بشجاعة واقتدار كل المخططات التي تستهدف بلدهم، سواء أكانت من الخارج، أو من وكلائه المتربصين ببلدنا الدوائر.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
آخر الاجتماعات الدولية في بروكسل حول اللاجئين السوريين تمخض عن توصية دولية بعدم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لأن الظروف الأمنية والاقتصادية وكل شيء لايضمن لهم عودة آمنة إلى سورية، وفي المقابل أظهرت الحكومة السورية “غضبها” على هذه التوصية الدولية، وهو غضب أشبه بالنكتة؛ لأن الحكومة السورية لا تريد عودة اللاجئين السوريين فهي لا تستطيع توفير بنية تحتية ولا عمل ولا ماء ولا مشتقات وقود لمن هم في سورية، ولهذا فليست معنية بعودة ملايين السوريين، والأهم بالنسبة لسورية أن من غادروا سورية لا تعرف عن كثير منهم شيئا من توجهاتهم السياسية، ولا عن الأجيال الجديدة ممن خرجوا أطفالا وأصبحوا كبارا، فضلا عن الجانب المهم الذي تعمل عليه إيران في سورية وهو صناعة معادلة سكانية وجغرافية جديدة تخدم الفكر الطائفي لإيران ومشروعها على الأراضي السورية.
وحتى قبل هذه التوصية فقد أصبح واضحا أن ملف اللجوء السوري وخاصة في دول الإقليم أصبح كارثة طويلة الأمد، فالعالم انسحب من هذا الملف خطوة خطوة من حيث التمويل وخدمة السوريين معيشيا أو مساعدة الدول المستضيفة على تحمل العبء ، ولن يمضي وقت طويل حتى تصبح الدول المستضيفة هي المسؤولة وحدها عن كل تبعات الأزمة السورية عليها، وما تبقى من معونات تقدم حتى الآن ستختفي قريبا.
والأسوأ في هذه الكارثة أن من صنعوها ودفعوا المليارات لإشعال النار في سورية لا يفعلون شيئا لإطفاء النار أو المساعدة في تحمل تبعات اللجوء، إضافة إلى الأهم وهو أن السعي لحل حقيقي لهذه الأزمة ليس على أجندة النظام السوري ولا الدول الكبرى ، وسيبقى الحال كما هو: سورية دولة منهكة اقتصاديا وسياسيا، وملايين السوريين في دول العالم والجنوب السوري ساحة نفوذ لتجارة المخدرات ونشاط ميليشيات إيران، وشمال سورية خارج سيطرة النظام وليس له مستقبل، وربما يبقى مقسما بين الميليشيات وبقايا المعارضة عشرات السنين، وفي المحصلة كل بلد استقبل مئات آلاف السوريين عليه أن يساعد نفسه بنفسه ويجد حلا لمشكلة لم يصنعها.
على دول الإقليم ومنها الأردن أن تفكر طويلا في تعامل طويل الأمد مع تداعيات الأزمة السورية علينا وأهمها ملف اللجوء السوري، ففي نهاية المطاف سنجد أنفسنا وحيدين أمام هذه الأزمة، فالعالم ينسحب بشكل متسارع، وربما حتى المديح والمجاملة التي يجدها الأردن من دول العالم لموقفه من اللجوء السوري لن يتوفر في قادم الأيام.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
تعيش الأردن كغيرها حالة من التغيير على المستوى السياسي في الأفق العام وفي الوحدات المختلفة التي تشكل المجموع السياسي. الفاعلية السياسية مازالت بين فاعلين قليلين ينتجون الفعل السياسي المتأثر فيما يدور في العالم والإقليم وخاصة في فلسطين التاريخية المحتلة، وبقية الوحدات التي تشكل في مجموعها الحجم الأكبر في الدولة الأردنية تنحصر في رد الفعل.. وحتى ردود الأفعال في خطها العام لا ترقى إلى الحد الأدنى من المطلوب والمأمول. الدولة والنظام السياسي أمام إجابة اسئلة كبيرة وخطيرة تتعلق في مستقبل الأردنيين بوجودهم الديموغرافي وشكله مع تهديدات التهجير وكذلك في المستقبل القريب الاقتصادي والسياسي في ظل ظروف دولية وإقليمية مضطربة للغاية.. تتبدل فيه التحالفات والمصالح والطموحات للوحدات الدولية وحتى للوحدات السياسية داخل الدولة الواحدة. لقد تحولت وتطورت الاشكال المؤثرة في المجال الدولي والإقليمي بأساليب مختلفة لم تكن معروفة سابقا ودخل على خط التأثير بشكل كبير عناصر جديدة غير تقليدية مثل المليشيات في الدول الضعيفة مثل حزب الله وجماعة الحوثي وغيرها وهي تقود أعمالا موثرة بالنيابة عن مموليها من دول الإقليم والعالم. النظام السياسي الأردني بقيادة الملك يقود مهمة كبيرة جدا في الحفاظ على الدولة ومراعاة مستقبل شعبها سياسيا واقتصاديا ويمضي بمواقف استراتيجية تتطلب السير بدقة الماشي على حد الشفرة؛ فأي ميلان يعني جرح في الحالة الوطنية التي تعاني من أوضاع صعبة بفعل الوضع خارج الحدود. على القوى السياسية أن تدرك خطورة الوضع وتدعم بكل ما فيها النظام السياسي الأردني في سيره الدقيق تجاه مستقبل الدولة.. هذه القوى بما فيها من أحزاب وجماعات ضغط وحتى شخصيات مؤثرة في المجال الوطني.. فلا مجال اليوم للعرط السياسي ومحاولة تكسب الشعبوية على حساب مستقبل الأردنيين. المطلوب أن ننخرط جميعا في حالة وحدة وطنية داعمة للنظام السياسي وإنتاج ادوات مساندة تعزز دوره في هذه المرحلة الخطيرة. ليسلم الوطن اولا في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة وبعدها سنتحمل اختلافات بعضنا وطموحات ومصالح البعض الآخر الذي لا ينفك عن حالة ابتزاز الوطن للصالح الفردي.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
جزء من مسيرة الأردن عبر عقود عمر الدولة الأردنية الحديثة هو التعامل مع أزمات تدخل البيت الأردني من محيطه ودول الجوار والإقليم بأحجام وأعمار مختلفة لكل أزمة أو كارثة.
ولان غالبية أزمات الإقليم تدخل حدودنا وتترك بصمات مختلفة الأنواع والأحجام على الأردن، فإن الأردن لا يكاد يتعامل مع أزمة أو يحاول احتواء آثارها حتى تولد هذه الأزمة كوارث مختلفة الأنواع.
فالقضية الفلسطينية التي رافقت مراحل إنشاء إمارة شرق الأردن وكانت حاضرة مع الأردنيين منذ وعد بلفور وهجرة اليهود إلى فلسطين مرورا بكل مرحلة إلى أن كانت النكبة التي لم تكن على الشعب الفلسطيني فقط بل كانت آثارها على دول عربية مختلفة في محيط فلسطين والتي استقبلت النازحين، وكان للأردن الحصة الكبرى من الأشقاء الفلسطينيين الذين انتقلوا للأردن فضلا عن آثار القضية الفلسطينية الناتجة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي وكثير من مخلفات النكبة قبل أن تحل النكسة التي جلبت إلى الساحة ملفات صعبة ومعقدة على الصعيد الأمني والسياسي الأردني فضلا اللجوء الذي صاحب النكبة وصنع واقعا سكانيا أردنيا جديدا.
ولأن العالم لم يذهب إلى حل حقيقي للقضية الفلسطينية فإن جزءا من آثار هذه القضية تحولت إلى جزء أساسي في تركيبة المنطقة والأردن، وزالت عنها صفة المؤقتة إلى كونها واقعا دائما، ولأن الحالة العربية والفلسطينية كانت تسير إلى الخلف ومنحت للاحتلال أن يصنع وقائع على الأردن تحولت إلى أخطار وتهديدات لحقوق الشعب الفلسطيني والأمن الوطني الأردني وهوية الدولة الأردنية.
ورغم ان القضية الفلسطينية هي الأطول عمرا إلا أن المنطقة انتجت أزمات وقضايا كثيرة، فالازمة السورية التي مر على أولها حوالي 13 عاما تحولت إلى واقع سلبي على أطراف عديدة ومنها الأردن، فلا حل سياسيا للازمة يعيد الدولة السورية إلى واقع مستقر، ولا حل لملف اللجوء الذي يدفع الأردن جزءا مهما من ثمنه، ولا إزالة لعوائق صنعتها الازمة على اقتصادنا، فضلا عن ملفات المخدرات والميليشيات الطائفية والإرهاب والتطرف التي تعتبر أزمات صنعتها الأزمة الكبرى.
أزمات كبرى حولنا يعرفها الجميع في العراق واليمن ولبنان.. وكلها تجلس على كتف الدولة الأردنية بآثارها الشاملة، والكارثة الأكبر انها أزمات بلا حلول بل تتحول بفعل استمرارها عقودا طويلة إلى واقع في المنطقة وتتحول آثارها إلى قدر على الأردن…