بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
آخر الاجتماعات الدولية في بروكسل حول اللاجئين السوريين تمخض عن توصية دولية بعدم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لأن الظروف الأمنية والاقتصادية وكل شيء لايضمن لهم عودة آمنة إلى سورية، وفي المقابل أظهرت الحكومة السورية “غضبها” على هذه التوصية الدولية، وهو غضب أشبه بالنكتة؛ لأن الحكومة السورية لا تريد عودة اللاجئين السوريين فهي لا تستطيع توفير بنية تحتية ولا عمل ولا ماء ولا مشتقات وقود لمن هم في سورية، ولهذا فليست معنية بعودة ملايين السوريين، والأهم بالنسبة لسورية أن من غادروا سورية لا تعرف عن كثير منهم شيئا من توجهاتهم السياسية، ولا عن الأجيال الجديدة ممن خرجوا أطفالا وأصبحوا كبارا، فضلا عن الجانب المهم الذي تعمل عليه إيران في سورية وهو صناعة معادلة سكانية وجغرافية جديدة تخدم الفكر الطائفي لإيران ومشروعها على الأراضي السورية.
وحتى قبل هذه التوصية فقد أصبح واضحا أن ملف اللجوء السوري وخاصة في دول الإقليم أصبح كارثة طويلة الأمد، فالعالم انسحب من هذا الملف خطوة خطوة من حيث التمويل وخدمة السوريين معيشيا أو مساعدة الدول المستضيفة على تحمل العبء ، ولن يمضي وقت طويل حتى تصبح الدول المستضيفة هي المسؤولة وحدها عن كل تبعات الأزمة السورية عليها، وما تبقى من معونات تقدم حتى الآن ستختفي قريبا.
والأسوأ في هذه الكارثة أن من صنعوها ودفعوا المليارات لإشعال النار في سورية لا يفعلون شيئا لإطفاء النار أو المساعدة في تحمل تبعات اللجوء، إضافة إلى الأهم وهو أن السعي لحل حقيقي لهذه الأزمة ليس على أجندة النظام السوري ولا الدول الكبرى ، وسيبقى الحال كما هو: سورية دولة منهكة اقتصاديا وسياسيا، وملايين السوريين في دول العالم والجنوب السوري ساحة نفوذ لتجارة المخدرات ونشاط ميليشيات إيران، وشمال سورية خارج سيطرة النظام وليس له مستقبل، وربما يبقى مقسما بين الميليشيات وبقايا المعارضة عشرات السنين، وفي المحصلة كل بلد استقبل مئات آلاف السوريين عليه أن يساعد نفسه بنفسه ويجد حلا لمشكلة لم يصنعها.
على دول الإقليم ومنها الأردن أن تفكر طويلا في تعامل طويل الأمد مع تداعيات الأزمة السورية علينا وأهمها ملف اللجوء السوري، ففي نهاية المطاف سنجد أنفسنا وحيدين أمام هذه الأزمة، فالعالم ينسحب بشكل متسارع، وربما حتى المديح والمجاملة التي يجدها الأردن من دول العالم لموقفه من اللجوء السوري لن يتوفر في قادم الأيام.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
تعيش الأردن كغيرها حالة من التغيير على المستوى السياسي في الأفق العام وفي الوحدات المختلفة التي تشكل المجموع السياسي. الفاعلية السياسية مازالت بين فاعلين قليلين ينتجون الفعل السياسي المتأثر فيما يدور في العالم والإقليم وخاصة في فلسطين التاريخية المحتلة، وبقية الوحدات التي تشكل في مجموعها الحجم الأكبر في الدولة الأردنية تنحصر في رد الفعل.. وحتى ردود الأفعال في خطها العام لا ترقى إلى الحد الأدنى من المطلوب والمأمول. الدولة والنظام السياسي أمام إجابة اسئلة كبيرة وخطيرة تتعلق في مستقبل الأردنيين بوجودهم الديموغرافي وشكله مع تهديدات التهجير وكذلك في المستقبل القريب الاقتصادي والسياسي في ظل ظروف دولية وإقليمية مضطربة للغاية.. تتبدل فيه التحالفات والمصالح والطموحات للوحدات الدولية وحتى للوحدات السياسية داخل الدولة الواحدة. لقد تحولت وتطورت الاشكال المؤثرة في المجال الدولي والإقليمي بأساليب مختلفة لم تكن معروفة سابقا ودخل على خط التأثير بشكل كبير عناصر جديدة غير تقليدية مثل المليشيات في الدول الضعيفة مثل حزب الله وجماعة الحوثي وغيرها وهي تقود أعمالا موثرة بالنيابة عن مموليها من دول الإقليم والعالم. النظام السياسي الأردني بقيادة الملك يقود مهمة كبيرة جدا في الحفاظ على الدولة ومراعاة مستقبل شعبها سياسيا واقتصاديا ويمضي بمواقف استراتيجية تتطلب السير بدقة الماشي على حد الشفرة؛ فأي ميلان يعني جرح في الحالة الوطنية التي تعاني من أوضاع صعبة بفعل الوضع خارج الحدود. على القوى السياسية أن تدرك خطورة الوضع وتدعم بكل ما فيها النظام السياسي الأردني في سيره الدقيق تجاه مستقبل الدولة.. هذه القوى بما فيها من أحزاب وجماعات ضغط وحتى شخصيات مؤثرة في المجال الوطني.. فلا مجال اليوم للعرط السياسي ومحاولة تكسب الشعبوية على حساب مستقبل الأردنيين. المطلوب أن ننخرط جميعا في حالة وحدة وطنية داعمة للنظام السياسي وإنتاج ادوات مساندة تعزز دوره في هذه المرحلة الخطيرة. ليسلم الوطن اولا في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة وبعدها سنتحمل اختلافات بعضنا وطموحات ومصالح البعض الآخر الذي لا ينفك عن حالة ابتزاز الوطن للصالح الفردي.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
جزء من مسيرة الأردن عبر عقود عمر الدولة الأردنية الحديثة هو التعامل مع أزمات تدخل البيت الأردني من محيطه ودول الجوار والإقليم بأحجام وأعمار مختلفة لكل أزمة أو كارثة.
ولان غالبية أزمات الإقليم تدخل حدودنا وتترك بصمات مختلفة الأنواع والأحجام على الأردن، فإن الأردن لا يكاد يتعامل مع أزمة أو يحاول احتواء آثارها حتى تولد هذه الأزمة كوارث مختلفة الأنواع.
فالقضية الفلسطينية التي رافقت مراحل إنشاء إمارة شرق الأردن وكانت حاضرة مع الأردنيين منذ وعد بلفور وهجرة اليهود إلى فلسطين مرورا بكل مرحلة إلى أن كانت النكبة التي لم تكن على الشعب الفلسطيني فقط بل كانت آثارها على دول عربية مختلفة في محيط فلسطين والتي استقبلت النازحين، وكان للأردن الحصة الكبرى من الأشقاء الفلسطينيين الذين انتقلوا للأردن فضلا عن آثار القضية الفلسطينية الناتجة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي وكثير من مخلفات النكبة قبل أن تحل النكسة التي جلبت إلى الساحة ملفات صعبة ومعقدة على الصعيد الأمني والسياسي الأردني فضلا اللجوء الذي صاحب النكبة وصنع واقعا سكانيا أردنيا جديدا.
ولأن العالم لم يذهب إلى حل حقيقي للقضية الفلسطينية فإن جزءا من آثار هذه القضية تحولت إلى جزء أساسي في تركيبة المنطقة والأردن، وزالت عنها صفة المؤقتة إلى كونها واقعا دائما، ولأن الحالة العربية والفلسطينية كانت تسير إلى الخلف ومنحت للاحتلال أن يصنع وقائع على الأردن تحولت إلى أخطار وتهديدات لحقوق الشعب الفلسطيني والأمن الوطني الأردني وهوية الدولة الأردنية.
ورغم ان القضية الفلسطينية هي الأطول عمرا إلا أن المنطقة انتجت أزمات وقضايا كثيرة، فالازمة السورية التي مر على أولها حوالي 13 عاما تحولت إلى واقع سلبي على أطراف عديدة ومنها الأردن، فلا حل سياسيا للازمة يعيد الدولة السورية إلى واقع مستقر، ولا حل لملف اللجوء الذي يدفع الأردن جزءا مهما من ثمنه، ولا إزالة لعوائق صنعتها الازمة على اقتصادنا، فضلا عن ملفات المخدرات والميليشيات الطائفية والإرهاب والتطرف التي تعتبر أزمات صنعتها الأزمة الكبرى.
أزمات كبرى حولنا يعرفها الجميع في العراق واليمن ولبنان.. وكلها تجلس على كتف الدولة الأردنية بآثارها الشاملة، والكارثة الأكبر انها أزمات بلا حلول بل تتحول بفعل استمرارها عقودا طويلة إلى واقع في المنطقة وتتحول آثارها إلى قدر على الأردن…
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
الرد اليمني على العدوان الإسرائيلي آتٍ لا ريب فيه. هي مسألة وقت لا أكثر. وثمة مروحة خيارات أمام القيادة اليمنية لا تبدأ بإغلاق باب المندب، ولا تنتهي بضرب المنشآت النفطية ومحطات الطاقة والأمونيا في “إسرائيل”.
أما وقد ضَربت المسيّرات اليمنية في قلب “تل أبيب”، فقد كان الرد الإسرائيلي متوقعاً، حتى لا نقول مؤكداً… أكثر من 220 هجوماً صاروخياً – جوياً شنّه اليمن على أهداف في “إسرائيل” وأخرى مرتبطة بها لم تكن سبباً كافياً لشنّ هجمات مضادة، في العلن على أقل تقدير، إذ ثمة معلومات وتسريبات ترجح انخراط “إسرائيل” في الهجمات الأميركية – البريطانية على اليمن منذ أن أحكم قبضته على البحرين: العربي والأحمر، وتحكّم في حركة المرور في مضيق باب المندب… لكن هذه المرة تبدو الصورة مختلفة تماماً.
المسيّرة “يافا” أجهزت على ما تبقى من “صورة الردع” الإسرائيلية بعد الضربات المتتالية التي تعرضت لها منذ السابع من أكتوبر، مروراً بالطوفان وحرب الأشهر العشرة الفائتة، وليس انتهاءً بالهجوم الجوي – الصاروخي الإيراني في الرابع عشر من نيسان/أبريل الفائت… مثل هذه الانهيارات المتتالية في المكانة الاستراتيجية لإسرائيل دفعت قادتها من المستويين العسكري والأمني السياسي الحكومي والسياسي المعارض إلى حافة الجنون، وأخذت صيحات الثأر والانتقام تتعالى وتتكاثر في مراكز صنع قرارها.
“إسرائيل” التي حلمت طيلة أشهر الحرب بالعثور على “صورة نصر” في غزة أو لبنان من دون جدوى، صممت ضربتها لليمن محكومة بهذا الهاجس؛ هاجس استعادة الصورة الردعية وترميم “اليد الطويلة” التي كُسِرت في غزة ولبنان، فكانت الضربة استعراضاً سينمائياً من الطراز “الهوليوودي” الأشهر… أسراب كثيفة من طائرات الإف 35 و16 و15 وطائرات تزويد بالوقود، واستهداف مرافق مدنية مع تركيز خاص على الأهداف القابلة للاشتعال من “لزوميات” الصورة والاستعراض، وسباق محموم بين القادة السياسيين والعسكريين للظهور أمام الكاميرات للتبشير بحرائق اليمن، إلى غير ما هناك من تسريب وتهديد ووعيد.
والحقيقة أن اليمن كان عرضة لموجات متعاقبة من الغارات الجوية والصاروخية الأميركية – البريطانية خلال الأشهر الفائتة، وكانت مرابض إطلاق صواريخه وانطلاق مسيّراته هدفاً متكرراً لهذه الاعتداءات، لكن أحداً، باستثناء مجاوري هذه الأهداف، لم يكن ليعلم بها لولا بيانات العميد يحيى سريع وتصريحات قادة “تحالف الازدهار” الذي ليس له من اسمه نصيب… الاستعراض هو ما كانت تل أبيب تبحث عنه، والصورة والفيديوهات احتلت مكانة الصدارة في أولويات قادتها.
هل يعني ذلك أن الضربة الإسرائيلية ليست ذات شأن؟
الجواب عن هذا السؤال يبدأ بـ”لا”، فمصفوفة الأهداف التي تعرضت للضرب والتدمير تؤثر بلا شك في حياة ملايين اليمنيين الذين بالكاد خرجوا من حرب السنوات الثماني، وبالكاد ينجحون اليوم في ترميم ذيول العدوان الذي شنه عليهم تحالف عربي ليس له هو الآخر من اسمه نصيب… الضربة مؤلمة بلا شك؛ مؤلمة للمدنيين والبنى التحتية المدنية، استمراراً للعمل الذي لا تتقن “إسرائيل” سواه، والذي تجلى في أبشع صوره في غزة، ومن قبلها في الضفة ولبنان: استهداف المدنيين والبنى المدنية لتحقيق أغراض سياسية في تطابق مدهش للتعريف الأممي لمعنى الإرهاب أو إرهاب الدولة المنظم.
لا هدف عسكرياً واحداً تم وضعه على خرائط العدوان الجوي الإسرائيلي، وكل حديث آخر عن استخدامات عسكرية للأهداف المدنية المضروبة يندرج في إطار الدعاية الإسرائيلية السوداء التي تابعنا فصولها الدامية في قطاع غزة، حيث قُصفت المدارس والجامعات والمستشفيات ومراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة، بذريعة أن ثمة أهدافاً عسكرية كامنة تحتها، من دون أن تكترث ماكينة البروباغندا الصهيونية إلى من يصدقها أو يكذبها، فشعارهم المستوحى من التجربة النازية – الغوبلزي هو اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.
أي رسائل استبطنها الهجوم الإسرائيلي على اليمن؟
الرسالة الأولى موجهة إلى الداخل الإسرائيلي لرفع معنوياته وزيادة منسوب الثقة المتآكلة بالجيش والحكومة، ومستقبل الدولة ومصير الكيان لدى قطاعات متزايدة من الإسرائيليين.
الرسالة الثانية لليمنيين بهدف تحريض البيئة الحاضنة لأنصار الله عليها، وبث مشاعر الخوف من مواجهة مصير مشابهة لمصائر المدنيين في قطاع غزة.
والرسالة الثالثة موجهة إلى أطراف محور المقاومة، وبالذات لحزب الله وحلفائه، مفادها أن ما ينتظرهم ليس أقل مما تعرض له اليمن، ومن قبله غزة، في حال خرجت المواجهات الضارية الدائرة على جبهة جنوب لبنان / شمال فلسطين عن قواعد الاشتباك المحمولة.
أما الرسالة الرابعة، فالمتلقي بعيد بعض الشيء: إيران، ومؤدّاها أن لا خطوط حمراء يمكن أن تتوقف عندها إسرائيل في حال تعرضها للتهديد، وأن كل الأهداف، بالأخص المدنية منها، هي أهداف مشروعة للطيران والحربي والصواريخ الموجهة، وربما ما هو أكبر وأخطر منها جميعاً: “ذلك الشيء في ديمونا”.
هل وصلت الرسائل إلى من يهمه الأمر؟
تخطئ “إسرائيل” إن ظنت أن أطراف محور المقاومة لم يكونوا يضعون في حسبانها وهم يفتحون جبهات الإسناد ردود أفعال إسرائيلية من هذا النوع. لا الحوثيون في اليمن، ولا حزب الله في لبنان، أصيبوا بالصدمة من جراء همجية الرد واستهداف المدنيين، فما يجري في غزة منذ عشرة أشهر، وما جرى في القطاع قبله، وفي لبنان على مدى سنوات وعقود طوال، وفر مادة مخضبة بالدماء لفهم هذا الكيان والتعرف إلى عقليته الإجرامية والاستعداد لكل ما يمكن أن يتصوره (أو لا يتصوره) عقل بشري.
وتخطئ “إسرائيل” إن ظنت أنَّ رسائل النار وألسنة اللهب في الحديدة ستثني أنصار الله عن مواقفهم، فكل طفل في غزة يعرف أن قرار الحوثيين الانتصار لغزة غير قابل للنقض أو الطعن أو التراجع… والمواطن الفلسطيني عموماً لا يأتيه الشك عن يمين أو شمال في أن قرار حزب الله المضي في الإسناد والشراكة في المعركة مرتبط كلياً بوقف الحرب الهمجية على قطاع غزة، وليس قبل ذلك بدقيقة واحدة.
أما إيران، فقد كانت منخرطة في حروب الاغتيالات والاستخبارات والناقلات والأمن السيبراني قبل حادثة الاعتداء على قنصليتها في دمشق، وقبل ردها الصاروخي والجوي المباشر وغير المسبوق في منتصف أبريل الماضي، والأرجح أنها أكثر من غيرها تدرك خطورة “ذاك الشيء في ديمونا”، وربما لهذا السبب، نراها تعيش “ورشة عمل” لمراجعة عقيدتها النووية بعد أكثر من عقدين على إقرارها والعمل بها، والمأمول أن تنتهي هذه المراجعة إلى خلق ميزان ردع نووي متبادل، حتى لا تظل إسرائيل محتكرة لهذا السلاح المدمر، ولا سيما أن الأصوات التي تنادي باستخدامه تتعالى وتتكاثر في تل أبيب، ليتردد صداها في أورقة الكونغرس الأميركي.
أين من هنا؟ ماذا بعد؟
الرد اليمني على العدوان الإسرائيلي آتٍ لا ريب فيه. هي مسألة وقت لا أكثر. وثمة مروحة خيارات أمام القيادة اليمنية لا تبدأ بإغلاق باب المندب، ولا تنتهي بضرب المنشآت النفطية ومحطات الطاقة والأمونيا في “إسرائيل”… المسيّرة اليمنية “يافا” وعدوان “اليد الطويلة” فتحا صفحة الحرب الإقليمية التي لا يجوز معها سوى التفكير في خيار الانتصار.
الحرب لم تعد تقتصر على جغرافيا فلسطين ولا حتى على الجبهة اليمنية – الإسرائيلية. هذه معركة الإقليم برمته، صورته ومكانته وانحيازاته وخياراته المستقبلية… هي معركة الوجود، ولا يجوز معها السماح للحلف الصهيوني – الاستعماري بالظفر.
ثمة عوائق جيوسياسية تحول دون تمكين اليمن من توظيف كامل عناصر قوته واقتداره، بالذات العنصر البشري المؤمن والمدرب والمجرب والمقاتل… الجغرافيا وطول المسافات لا يساعدان اليمن على استخدام أهم وأقوى عناصر قوته في هذه المواجهة، ولو كان اليمن دولة حدودية، لكان له تدبير آخر مع كيان العربدة والغطرسة، ولمرّغ أنف قادته في الأوحال. هذا هو اليمن، وهذا هو تاريخه القديم والحديث.
هنا، نفتح قوسين للتشديد على أن اليمن لا يجب أن يترك وحده، والرد اليمني على العدوان الإسرائيلي يتعين أن يكون رد محور بأكمله، وعلى قاعدة التكامل والتوظيف الأمثل لعناصر القوة والاقتدار، بما فيها، ومن ضمن أشياء أخرى، الميزات الجيوسياسية لكل فريق. التزامن (وليس التتالي) في ردود أفعال أطراف المحور شرط لانتصاره.
“إسرائيل” أعجز عن خوض الحرب على أكثر من جبهة، برغم الادعاءات المنتفخة لقادتها المصطرعين في ما بينهم. الهجمات المنسقة والتصعيد المتزامن هو الذي سيحدث فرقاً.
إنَّ غزة شعباً ومقاومة لم تعد قادرة على استحداث الزخم المطلوب لجهود وقف الحرب… المجتمع الدولي العاجز والمنافق بات متصالحاً مع سقوط 50 – 80 شهيداً يومياً من نساء غزة وأطفالها، ومنسوب المعارك والمواجهات بين المقاومة الفلسطينية وجيش العدو ما عاد يقض مضاجع الساسة في عواصم القرار الدولي، والتقديرات بأن الحرب قد تمتد إلى العام القادم لحين وصول إدارة أميركية جديدة تتقافز على سطح “تقديرات الموقف” التي تصدر في عواصم عدة… والنظام الرسمي العربي يغطّ في سبات عميق، وينتظر بفارغ الصبر الخلاص من مقاومة غزة وفلسطين وحلفائها… لم يعد لغزة سوى جبهات الإسناد، فهي وحدها التي تُسيل الأدرينالين في عروق المجتمع الدولي، وجبهات الإسناد باتت أمام لحظة الانتقال إلى مستوى جديد من التصعيد والمواجهة، فإما وقف حرب التطهير والتطويق والإبادة، وإما جبهة إقليمية مفتوحة نعرف كيف تبدأ ومن أين، ويجتاحنا يقين بأنها يدها ستكون العليا، وكلمتها ستبقى الراجحة، وحذار حذار من الوصول إلى لحظة يقال فيها: أكلت يوم أكل الثور الأسود… هذا ليس خياراً. هذا ليس “سيناريو”.
بواسطة MostafaAlkhawaldeh | يوليو 23, 2024 | مقالات
لا يمكن للمنطقة ان تبقى دون حسم لكل هذه الصراعات، اما عبر حرب كبرى مفتوحة وممتدة، واما عبر تسويات سياسية، تؤدي لتقاسم النفوذ والخرائط.
يخرج وزير الخارجية الاميركي ويقول في منتدى في كولورادو إن الوضع الراهن ليس جيدا، فإيران، بسبب انتهاء الاتفاق النووي، وبدلا من أن تكون على بعد عام واحد على الأقل من القدرة على إنتاج مواد انشطارية لصنع قنبلة نووية، هي الآن على الأرجح على بعد أسبوع أو اثنين من القدرة على القيام بذلك.
يأتي كلام وزير الخارجية الاميركي في توقيت حساس جدا، تشتبك فيه اسرائيل مع ايران وكل حلفاء طهران في مواقع مختلفة، ولا يمكن ان يتم تأويل الكلام بغير امرين، اولهما تبرير كل الممارسات الاسرائيلية، وثانيهما ربما التوطئة لحرب كبرى.
في تحليلات لبعض المراقبين يعتقد هؤلاء ان ايران قد تكون انتجت اصلا قنابل نووية، وصواريخ، ولا تعلن ذلك لاعتبارات مختلفة، وتجنبا لحرب هذه الفترة.
معنى كلام الوزير الاميركي الفعلي، انه لم يعد هناك وقت للتعامل مع الخطر الايراني وفقا لتعريفاته، وليس ادل على ذلك من تحديده لسقف زمني لإنتاج مواد انشطارية، وهذا يعني ان على الولايات المتحدة ومن معها الاسراع بالتحرك، بما يمكن اعتباره تهديدا اميركيا مباشرا لإيران، بالمعنى الذي يقصده الوزير.
في سياق متزامن توجه اسرائيل ضربة لليمن، وقد تكون الطائرات الاميركية والبريطانية هي التي وجهت الضربة وتم نسبها الى اسرائيل، في سياقات عملقة اسرائيل في المنطقة وهي التي تقصف في ايران، والعراق، وسورية، ولبنان، وفلسطين، بدعم وامداد عالمي وكالة عن معسكر اوسع له مصالحه في المنطقة.
في كل الاحوال يعد نشر تفاصيل الضربة الاسرائيلية من خلال ذكر عدد الطائرات، والمسافة الطويلة التي تم قطعها، والامداد بالوقود-على افتراض ان الطائرات كانت حقا اسرائيلية- يراد منه ارسال برقية الى طرف آخر، فالضربة على اليمن، والبرقية لبريد طهران، الاقرب لفلسطين، من حيث المسافة، والقدرة على تنفيذ عمليات عسكرية اسرائيلية من ناحية لوجستية، مع الاقرار هنا ان ايران لديها منظومة عسكرية قادرة على الرد، وعلى اطلاق ردود فعل في المنطقة.
منطقة الشرق الاوسط تخضع لضغوطات غير عادية، عمليات عسكرية في دول متعددة، واسرائيل تنفذ عمليات في كل مكان، والتأثيرات امتدت الى الملاحة وتدفق النفط واسعار السلع، ووضع المضائق، والبحر الاحمر، وبحر العرب، ولا يمكن لهذا المشهد المتصاعد ان يهدأ حتى لو توقفت حرب غزة، لأن القوى المصنفة بكونها معادية لإسرائيل، ما تزال موجودة وفاعلة، بما يعني في المحصلة ان المواجهة قد تتوقف في غزة، لكنها مفتوحة مع بقية الاطراف، على المدى الاستراتيجي، خصوصا، مع تغير السياسات الاسرائيلية، من سياسة جدولة الازمات وتأجيلها، والتعايش معها، الى سياسة انهاء المخاطر من جذورها.
الأطراف التي توجه ضربات لإسرائيل من المنطقة، تشترط وقف الحرب في غزة، من اجل وقف عملياتها، فيما اسرائيل لا تتوقف، لأنها بكل بساطة تغرق في غزة من جهة، وهي ايضا ستعود للتعامل مع كل الاطراف التي وجهت لها ضربات عسكرية من خارج فلسطين، في ظل انتهاء نظرية التعايش مع الاخطار.
ما زلنا في بداية مشهد اكثر خطورة، مما رأينه خلال الشهور العشرة الماضية، خصوصا، اننا في المنطقة سندفع الثمن مرتين، سواء اذا حدثت حرب اقليمية ممتدة بكل ما تعنيه من كلف سياسية وعسكرية واقتصادية، او اذا حدثت تسوية اقليمية يتم عبرها تقاسم كل شيء فيما اهلها يتفرجون ويستغفرون ويتساءلون.
بين كلام الوزير الذي يحمل تهديدا مباشرا لإيران، والرد الاسرائيلي على اليمن الذي تزامن معه كتهديد غير مباشر لإيران، نقرأ كل احتمالات المرحلة المقبلة.