أثارت تصريحات لوزير الداخلية الأسبق، والسياسي، سمير حباشنة، ضجّة كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية في عمّان، إذ تحدّث عن خطورة تغوّل أصحاب الأموال على القوائم الحزبية وفي الترشّح للانتخابات النيابية، ما يعزّز من شكوك وتشكيك تيار يتوسّع في المشهد السياسي في جدوى العمل الحزبي ومدى قدرته على التعامل مع الانتخابات في سبتمبر/ أيلول المقبل.
ما ذكره الحباشنة متداولٌ في الأوساط النخبوية والسياسية، وتثار حوله إشاعاتٌ وأقاويل، وهي أمورٌ يصعب الإمساك بها قانونياً بصورة حاسمة. وربما أكثر من ذلك، هنالك أقاويل عن “مافيات تجارة” بأصوات الناخبين، بخاصة في المناطق الفقيرة والمهمّشة والمعدمين، وتسعيرة للصوت، بما يؤثّر، بدرجةٍ كبيرة، على مدى إيمان الناس بأنّ الانتخابات المقبلة ستكون خطوة نوعية إلى الأمام.
سبق وأن ناقش المقال السابق للكاتب في “العربي الجديد” (7/7/2024) حالة الغموض واللايقين والحيرة في الأوساط السياسية والحزبية. ولكن من الواضح أنّ الغموض لا ينقشع، بل ربما يزداد، ومن الضروري لتبديد الهواجس والشكوك والتردّد أن يكون هنالك خطاب حاسم واضح من الدولة يجيب على أسئلة رئيسية، حتى وإن كان بعضها من المفترض أنّه، دستوريأً وقانونياً، محسوم، ولكن لتطمئن قلوب المواطنين والسياسيين، ويزدادوا إيماناً بأنّ هنالك أجوبة حاسمة لدى الدولة على ما يثار.
عودة إلى السؤال رقم 1 والمبدئي؛ هل فعلاً مطبخ القرار في الأردن جادّ وحاسم في مسألة إعطاء مساحة واسعة للأحزاب والتعدّدية والتنافس وحرية الاختيار والاتجاه نحو حكومات حزبية خلال إطار زمني محدد (يفترض بعد ثمانية أعوام)؟.
والسؤال الثاني؛ هل الهدف من هذه العملية إعطاء زخم ومصداقية وشرعية للعملية السياسية، وتصعيد نخب سياسية قوية في الدولة، وتعزيز المشاركة السياسية وتوسيعها في عملية اتخاذ القرار، لتكون الدولة أكثر قوة وصلابة في مواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية؟
إذا كان الجواب على السؤالين بنعم حاسمة واضحة وراسخة، فلذلك شروط لا بد أن تتحقق، أهمها وفي مقدمتها انتخابات نزيهة حرّة، وتنافس عادل بين الأحزاب. ومعنى هذا أنّه لا يجوز أن تكون هنالك إشاراتٌ أو أوهامٌ أو إيحاءاتٌ لهذا الحزب أو ذاك بأنّه سيكون لديه هذا العدد من المقاعد، فمن الضروري أن توضع الأحزاب (بخاصة المحسوبة على الخط المؤيد للسياسات الرسمية، أو التي تقع خارج نطاق المعارضة التقليدية، الإسلامية) في سباقٍ حقيقي، ونكتشف حجمها الشعبي الحقيقي، حتى وإن فشلت في الانتخابات المقبلة، فإنّها ستتعلم من خطئها وتحضّر نفسها بصورة أفضل للانتخابات التي تليها.
هذه النتيجة أفضل بكثير مما لو أخذت رسالة خاطئة، كما هو متداولٌ في نميمة النخب السياسية، بما فيها الحزبية نفسها، بأنّ الصورة محسومة والمقاعد شبه مقرّرة فإنّ النتيجة ستكون كارثية على صعيد شرعية العملية السياسية ورأس المال الرمزي والسياسي للحكم، ولو كانت هذه هي الحال، فكان الأجدى والأفضل، من البداية، تجنّب كل “اللعبة الحزبية”، إذا كنا غير جادّين أو جاهزين لها.
المشاركة الفعّالة من المعارضة السياسية، وهنا المقصود الإسلاميون، لا تؤثر سلباً على الانتخابات المقبلة، بل ستعطي العملية الانتخابية والسياسية زخماً سياسياً جيداً، بخاصة أنّ القاعدة الاجتماعية للإسلاميين مختلفة عن الأحزاب الأخرى عموماً، والمخاوف من تحقيق نتائج صادمة من التيار الإسلامي تكاد تكون محدودة للغاية، ففي أفضل الأحوال ونتيجة للقائمة الوطنية النسبية والعامل الجغرافي في توزيع المقاعد في القوائم المحلية، فإنّ عدد مقاعد الإسلاميين، بأي حساباتٍ، لن يتجاوز الأقلية المحدودة.
السؤال الأخير والخطير: ماذا لو انتكست كل العملية الحزبية، وشعر الناس بأنّ ما حسبوه ماءً عذباً لريّ عطشهم في العمل السياسي، بخاصة الشباب، لم يكن إلاّ سراباً، فما هي النتيجة المتوقّعة؛ وما هي الخيارات الاستراتيجية والسياسية الأخرى أمام جيل الشباب؟ وهل يمكن بعد ذلك أن نخرج بلعبة جديدة، ونقول لهم تعالوا إلى لجنة أخرى؟